خلفيات وتطورات الازمة الخليجية بعد مرور عام عليها، والتداعيات الانسانية الناجمة عن الحصار

كتب سعادة السفير هذا المقال حول الازمة الخليجية بعد مرور عام عليها:

نحن نشهد اليوم مرور عاماً على قرار مفاجئ وجائر وصادم للجميع، حيث قطعت السعودية ومصر والإمارات والبحرين العلاقات الدبلوماسية مع دولتنا، تحت ذريعة "دعمنا للإرهاب"، في أسوأ صدع تشهده المنطقة منذ سنوات، بينما لم تقطع الكويت وسلطنة عمان علاقاتهما معنا. إننا بذلك نواجه حملة افتراءات وأكاذيب وصلت حد الفبركة  الكاملة، بهدف فرض الوصاية علينا، والضغط على قيادتنا لكي تتنازل عن قرارها الوطني.

تستند خلفية الازمة الى عملية القرصنة التي قامت باختراق وكالة الأنباء القطرية من احدى دول الحصار الأربعة، وبعدها بدأت وسائل اعلام هذه الدول ببث اخبار تحوي على معلومات مكذوبة نسبت الى أمير البلاد المفدى، ثم قيام هذه الدول بمقاطعة وفرض حصار جوي وبحري وبري على دولة قطر. وقد أعربت سلطات بلادنا عن استغرابها لهذه القرارات، التي بنيت على مزاعم وأكاذيب، وتهدف بشكل أساسي الى ممارسة الضغوط على الدوحة ومحاولة تركعيها وعرقلة مسيرتها. ورغم ذلك فضلت قيادتنا الحكيمة نهج اسلوب سلمي متحضر وحاولت مراراً توضيح مسألة القرصنة وتلفيق الأكاذيب، الا ان دول الحصار رفضت التواصل معها والاستماع الى توضيحاتها، بغرض زعزعة الثقة فيها ونزع الشرعية عنها وأن الأمر وصل مرحلة التهديدات بتغيير النظام في الدوحة. ولكن بعد مرور عام على هذا القرار المتهور لقيادة دول جوارنا، تأكد لهم الآن أن النتيجة جاءت عكس ما كانوا يتوقعون، اذ ادت هذه الأحداث الى زيادة ثقة الشعب القطري في قيادته والالتفاف حولها، وتوحيد الصف القطري. وعليهم ان يعوا إنَّ مساعي هذه الدول لتغيير النظام، كان دافعاً قوياً لنا للمقاومة. ومن جهة أخرى يعد إصرار هذه الدول على استسلام قطر لهذه المطالب تحدياً لسيادتها، ومن ثم شرعية الأسرة الحاكمة.

موقف ترامب المتذبذب من الأزمة:

من أكثر العوامل التي أثرت على تأجيج هذه الأزمة هو موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فقد انطلقت حملة دول الحصار العدائية بعد أيّام قليلة فقط من زيارته إلى المملكة العربية السعودية وتوقيعه عقود ضخمة تجاوزت ٤٠٠ مليار دولار على امتداد السنوات العشر القادمة، وقد فُهم أن هذه الصفقات الهائلة تعطي ضوءاً أميركياً أخضر لإطلاق يدي هذه الدول الخليجية ومصر لاستهداف قطر بالحصار والخنق ومن ثم إعادة رسم الخارطة السياسية في المنطقة وإرجاعها إلى ما قبل ٢٠١١ تحت عنوان مقاومة الإرهاب ومواجهة المشروع الإيراني والإخوان المسلمين.

الا أن موقف ترامب في بداية الأزمة تنافى مع موقف المؤسسات الأمريكية صانعة القرار في مجال السياسة الخارجية (البيت الأبيض والبنتاغون)، علاوة على موقف وزير خارجيته السابق ريكس تيليرسون، الذي كان دائما مدافعاً عن قطر وكان يرجح خيار حل الأزمة بأسرع وقت ممكن.

فيما يخص البنتاغون، يحاول الجيش الأميركي في الخليج، بغض النظر عما يُغرِّد به دونالد ترامب، القائد الأعلى له، جاهداً، تجنُّب الدخول في صراع عسكري قد يكلفه كثيراً، وهو ما قد يكون أحد الأسباب التي دفعت البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إلى قول أشياء مختلفة (عمَّا قاله ترامب) بشأن قطر خلال المراحل الأولى من الأزمة.

وكان البنتاغون قد تحدَّث بوضوح بعد ايام من نشوب الأزمة عن قاعدة العديد الجوية، التي تُعَد القاعدة الأمامية للقيادة المركزية للقوات الجوية الأميركية، قائلاً إنَّ "كل الطلعات تجري كما هو مُخطَّط". ويتمركز نحو 10 آلاف من القوات الأميركية هناك.

ثُمَّ جاءت تغريدات ترامب، الذي ادَّعى بشكل أساسي مسؤوليته عن التحرُّكات الاستثنائية ضد قطر بالقول، إنَّ تلك التحرُّكات هي ثمار الخطاب الذي ألقاه في الرياض أمام 50 قائداً عربياً ومسلماً. وبعد ذلك جاء بيانٌ ثانٍ من البنتاغون يُجدِّد فيه الثناء على قطر لاستضافتها القوات الأميركية.

وانضمت أوروبا إلى البنتاغون، أو على الأقل وزير خارجية أهم دول القارة، ألمانيا. فقال زيغمار غابرييل: "على ما يبدو، فإنَّ قطر ستُعزَل تماماً تقريباً وتُصاب بشكلٍ وجودي. إنَّ إضفاء نهج الترامبنة (نسبةً للرئيس ترامب) في التعامل بين دول المنطقة أمرٌ بالغ الخطورة في منطقةٍ تعاني من الأزمات بالفعل".

الا انه بعد فترةٍ وجيزة اتَّصل ترامب هاتفياً بأمير قطر عارِضاً عليه الوساطة؛ وبإجرائه هذه المكالمة بعد 24 ساعة على تغريدته، يبدو أنَّ رسالة جيشه قد وصلت له.

ويذكر انه بعد أن قامت هذه الدول بتقديم المطالب ال 13 ثم تنازلت عنها لتصبح مبادئ ستة، بحجة ايواء قطر ودعمها للإرهاب، رغم ان العالم بأجمعه يشهد على أن قطر حريصة جدا على مكافحة الارهاب في كافة أشكاله، أشاد  البنتاغون بعد فترةٍ قصيرة من القرارات في فجر 5 يونيو، بـ"التزام قطر الدائم بالأمن الإقليمي".

 

تناقض المطالب مع سياسة دول الحصار:

ومن ضمن الحجج التي اشهرتها هذه الدول في وجه دولة قطر، هي دعمها لحركة الإخوان المسلمين. الإخوان المسلمون الذين يراد تصنيفهم تنظيماً إرهابياً هم أنفسهم الذين استضافتهم المملكة العربية السعودية في إطار صراعها مع عبد الناصر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ووفرت لهم كل أشكال الدعم والمساندة. كيف إذن انقلب حلال الأمس حرام اليوم؟

ثم إن هذه الدول التي تدعي التصدي للتطرف اليوم لم تكف عن دعم جماعات وتعبيرات دينية بالغة التشدد والتخلف، مثل السلفية والوهابية، وهي جماعات كانت ولا تزال توفر الأرضيّة الفكرية للإرهاب والعنف الديني.
أما عن العلاقة بطهران التي يدعون إدانة قطر بسببها، فيكفي أن تتأمل حجم المبادلات التجارية بين الإمارات وإيران والتي تعد الأعلى بين دول مجلس التعاون الخليجي، فهي تصل إلى حدود ٤٠ مليار دولار وتستحوذ على ما يزيد عن ٨٠% من حجم المبادلات التجارية لدول مجلس التعاون الخليجي مع إيران.

وهم يريدوننا ان نقطع علاقتنا مع ايران، وهي الدولة الجارة التي لم تتعرض لنا بسوء، كما انها الدولة التي سارعت بمساعدتنا منذ نشوب الأزمة وفتحت لنا مجالها الجوي. وقد أكد أمير بلادنا المفدى خلال اتصاله بالرئيس روحاني "إن علاقاتنا مع الجمهورية الاسلامية الإيرانية عريقة وتاريخية ووثيقة ونريد تعزيز هذه العلاقات أكثر مما مضى".

كل هذا يؤكد بأن هذه الحملة المنظمة تأتي على خلفية دعم قطر لمشاريع الديمقراطية في المنطقة التي أطلق عليها "الربيع العربي"، وهو ما يفسر المطالبة بإغلاق قناة الجزيرة التي مثلت أول نافذة للإعلام الحر في العالم العربي. 

التداعيات الانسانية وتأثير الأزمة على حقوق الانسان:

جاءت الازمة الخليجية بآثار سلبية عديدة على دولة قطر ودول الخليج كافة، في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد كان الجانب الإنساني الأكثر تأثراً جراء أزمة الحصار، التي مر عليها عام الآن، فقد استهدفت دول الحصار خلال الأزمة حياة الشعوب الخليجية والمقيمين في منطقة الخليج في كافة جوانبها الصحية والتعليمية والعملية والاجتماعية، وكما هو واضح فأن هذه الأزمة تم اختلاقها لشرعنة الانتهاكات الإنسانية التي باتت مكشوفة وواضحة للجميع. 

وقد اتسمت الاجراءات التي اتخذتها دول الحصار الاربعة بقسوتها وعدم انسانيتها، اذ لجأت الى عامل المفاجأة، حيث جاءت بشكل مباغت وقصدت بذلك تخويف القطريين حكومة وشعباً، ما ادى الى تأثير نفسي فظيع في بداية الأزمة.

وقد اشار تقرير البعثة الفنية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان حول تأثير الأزمة الخليجية الراهنة على حقوق الإنسان، الذي صدر في جنيف في ديسمبر 2017م،  حيث تضمن خلفية جذور الأزمة الخليجية، وما أثارته الأزمة من قضايا أساسية تتعلق بحقوق الإنسان، والقيود المفروضة على حرية التعبير، والقيود المفروضة على الحق في حرية التنقل والاتصال.

وتناول التقرير التشتيت الأسري والقضايا المرتبطة بالجنسية والإقامة، والتأثير على الحقوق الاقتصادية وعلى الحق في الملكية والتأثير على الحق في الصحة، والتأثير على الحق في التعليم، وقضايا حقوق الإنسان طويلة الأمد. كما اشار الى خطاب الكراهية والتحريض ضد القطريين في وسائل الإعلام الرسمية في دول الحصار.

وما زالت دول الحصار تتمادى في انتهاكات حقوق الإنسان التي لم تترك حقاً مكفولاً إلا وتجاوزته بخروقات صارخة للاتفاقيات والمواثيق الدولية، حتى إنها طاولت الحق في ممارسة الشعائر الدينية بدواعي خلافات سياسية، مثل منع المواطنين القطريين من آدا فريضة الحج خلال العام الماضي بوضع العراقيل الإجرائية. 
وقد كان رد فعل الدوحة، وهي التي تولي اهتماماً بالغاً لملفات حقوق الانسان وضرورة احترامها، جاء ردها سريعاً في هذا الشأن، حيث اتخذت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان خطوات واسعة من أجل مناهضة تلك الانتهاكات في كافة المحافل الدولية، وحث المنظمات المختصة على الاضطلاع بمسؤولياتها الدولية والأخلاقية تجاه تلك الانتهاكات، ودعت كافة الدول إلى الاستمرار في دورها وواجبها الدولي في هذه الأزمة عبر آلياتها الحقوقية جنباً إلى جنب مع المنظمات الدولية لإدانة تلك الخروقات والضغط لإنهائها. 
كما كان رد فعل كثير من الدول والمنظمات الحقوقية ونقابات الصحافيين واضحاً في مناهضة الانتهاكات الناجمة عن الحصار على دولة قطر. وخير دليل على ذلك التأييد الكبير من وسائل الإعلام العربية والغربية وكبريات المنظمات الصحافية وتنديدهم بمطالب إغلاق الفضائيات القطرية وانتهاك حرية الرأي والتعبير. 
وقد مس قرار الحصار المفاجئ بأهم مبادئ حقوق الانسان، ما ادى الى وقوف كثير من الدول الى جانب دولة قطر، علاوة على مطالبتها لدول الحصار الاربعة باللجوء الى الحكمة لتهدئة الأمور والرجوع عن قراراتها التعسفية هذه، والتي لا تضر بدولة قطر فقط، انما فيها ضرر وخطورة كبيرين على استقرار دول الخليج والمنطقة بأكملها.

كما كان للحصار آثاره السلبية الكبيرة على عدد من الجوانب المتعلقة بحقوق الانسان، حيث أثرت على الفئات الآتية:

  • المواطنون القطريون المقيمون في المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرينممن أجبروا على مغادرة تلك الدول فوراً تاركين وراءهم ذويهم وأعمالهم ووظائفهم وممتلكاتهم أو ممن أجبروا على عدم استكمال دراستهم قسراً.
  • المواطنون السعوديون والإماراتيون والبحرينيون المقيمون في قطر (بما في ذلك المتزوجون من قطريين) والذين أضحوا مجبرين على العودة لأوطانهم وتقطعت بهم السبل عن ذويهم وحيل بينهم وبين أرزاقهم وأملاكهم.
  • العمالة الوافدة وذويها والتي تشكل غالبية السكان في قطر، إذ فقد بعضها وظائفهم وواجه البعض الآخر ضغوطاً اقتصادية متزايدة.
  • عموم سكان قطر والسعودية والإمارات والبحرين، نظراً لما خلفته القيود المفروضة من تضييق في حرية التنقل من وإلى بلدانهم وما لحق بحقوقهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والمدنية من أضرار.

وقد كان موقف دول الاتحاد الاوروبي، على رأسه المانيا وفرنسا وبريطانيا، وهي الدول التي تعير اهتماما كبيراً لقضايا حقوق الانسان، كان موقفها واضحاً منذ البداية.  كذلك كان الحال لدول اخرى مثل روسيا وباكستان وتركيا، وهي الدولة التي تضامنت مع قطر منذ نشوب الازمة بتقديم دعمها السياسي والعسكري لها، علاوة على مواقف الدول العربية مثل سلطنة عمان والمغرب وتونس والسودان، ودولة الكويت التي بذلت جهوداً مضنية  للعمل كوسيط في الازمة، ما وضعها في موقف حرج امام المملكة العربية السعودية التي فسرت هذا الموقف كإعلان حرب ضدها، وطالبتها بالوقوف معها والتخلي عن الوساطة في الازمة. يذكر ان موقف دولة الكويت جاء في اطار حرصها على وحدة البيت الخليجي، وهو نفس الموقف القطري. وفي هذا الصدد تجدر الاشارة الى ان احدى المبادئ المهمة التي يدافع عنها مجلس تعاون الخليج هو الحفاظ على حقوق المواطنين الخليجيين وحمايتهم، الامر الذي تضرر كثيراً بقرارات دول الحصار بحرمان هؤلاء المواطنين من التواصل فيما بينهم. في هذه الصدد نود الاشارة الى تصريحات وزير الخارجية القطري، سعادة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، خلال مشاركته في مؤتمر دافوس الاقتصادي، بقوله "إننا نشعر بالأسف لكون مجلس التعاون أصبح منظمة غير فعالة بعدما كان في الماضي القريب مثالا للتماسك والأمل للعالم العربي.

وعليه يمكننا القول ان قطر تفوقت دبلوماسياً على خصومها، وأثبتت للعالم انها دولة تدعو الى السلام، حيث حثت دول الحصار في أكثر من مرة على الجلوس الى طاولة الحوار للوصول الى حلول للأزمة، ولم تلقى مناشداتها اية استجابة من هذه الدول. كما تفوقت اقتصادياً باجتيازها العقبات التي تسببت فيها الأزمة، وسرعان ما قامت بإحلال الفراغ الذي خلفه شح الواردات من الأغذية والبضائع من المملكة العربية السعودية والأمارات العربية المتحدة باستيرادها من دول أخرى، مثل تركيا وبعض دول الخليج الأخرى. بالإضافة الى أن الحصار لم يلقي بظلاله على وتيرة الانتاج فيها، ولم يؤثر سلباُ على الاقتصاد بشكل عام، حيث أن القيادة القطرية عملت منذ بداية الأزمة على التعامل معها باتزان، وسريعاً ما امتصتها بكثير من الهدوء والحكمة. كما نجحت القيادة القطرية في ابراز مقدراتها الهائلة على ضمان سير حياة المواطنين طبيعية كما كانت من قبل، وانها ماضية في تحقيق أهدافها المتمثلة في رؤية قطر الوطنية 2030، الأمر الذي كان مفاجأة غير سارة لدول الحصار، التي قصدت عكس ذلك. 

وفي الختام يمكن القول ان الازمة الحالية ستسبب، ما لم يتم احتوائها بأسرع فرصة ممكنة، في اضرار انسانية وروحانية جسيمة على كافة مواطني دول الخليج، وستعمل على تقويض وحدتهم وعلاقاتهم التاريخية، وصلة الدم وروح الترابط بينهم، علماً ان هذه الازمة خلفت شروخ عميقة من الصعب التغلب عليها على المدى القريب. وكما قال صاحب السمو أمير البلاد المفدى، خلال مشاركته بالجلسة الافتتاحية لمؤتمر الأمن الذي يعقد في مدينة ميونخ بجمهورية ألمانيا الاتحادية، أن الأزمة الخليجية التي أحدثها جيراننا من خلال السياسات المتهورة  قوضت أمن المنطقة وحالت دون وجود الخليج ككيان سياسي موحد.

وأكد سموه أن قطر تبقى برغم كل القلاقل والاضطرابات هي أكثر بلدان العالم أمناً وسلاماً، وقال أنه رغم التحديات المفروضة علينا بما في ذلك الحصار البري والبحري والجوي الكامل الذي بدأ في الـ 5 من يوليو العام الماضي نجحت قطر في إيجاد سبل تجارية جديدة، وقال "قطر توحدت كوحدة واحدة وخرجت من هذه الأزمة أكثر قوة"..

وقال سموه إن هذا الحصار الجائر يظهر أن الدول يمكن أن تستخدم الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي الاقتصادي للتصدي لعواصف التهديدات التي تمثلها دول الجوار، مشيراً إلى أن هؤلاء يريدون أن يستخدمون الدول الصغيرة باعتبارها جزء من لعبتهم السياسية ومن الضرورة للشعوب بأن تحافظ على استقلالها مثل قطر التي رفضت أن تنحاز إلى جانب أحد المعسكرين المتواجهين.

أهم ملامح الأزمة الخليجية اليوم:

بعد مرور علم على هذه الازمة والقرارات الجائرة التي اتخذتها دول الحصار ضد دولتنا، يمكن الاشارة الى الآتي:
1. ما زالت تتمادي هذه الدول في سياستها العدائية ضد دولة قطر، وكل المؤشرات تدل على عدم وجود ما يوحي بحصول انفراج فيها على المدى القريب.
2. 
السعوديّة وحُلفاؤها يُراهنون على سياسة النّفس الطويل في الأزمة، ويَتبنّون سياسة الخُطوة الضّاغطة، ويَعتقدون أن الدوحة هي المُتضرّرة، بطَريقةٍ أو أُخرى، وكلّما طالَ الوَقت تزايدَ حجم الضّرر اقتصاديًّا على الأقل. الا ان الاحصائيات والمؤشرات الاقتصادية اثبتت عكس ذلك، خاصة اننا اصبحنا نعتمد على منتوجاتنا المحلية وخلقنا شبكة شراكات جديدة مهمة لاقتصادنا في المستقبل. كما اكد ادائنا الاقتصادي على ذلك.
3. 
اصرار قيادات هذه الدول دوماً على حل الأزمة داخل البيت الخليجي امام مطالبة الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة وزير خارجيتها السابق ريكس تيليرسون على ايجاد حل لها بأسرع فرصة، الا انهم لم يقدموا مبادرات حسن نية في هذا الصدد، علماً انهم لم يعطوا الوساطة الكويتية ايه اعتبار، كما عملوا على افشال القمة الخليجية وتقليل أهميتها، علاوة على رفضهم القمة الخليجية الأمريكية المقترحة من قبل الرئيس ترامب.
4. 
رغم اننا لا نعتقد بوصول هذا النزاع الى حد المواجهة العسكرية، الا أن أكثر ما يثير القلق هو أنّ السعودية والإمارات قد تُكرران الأخطاء التي ارتُكِبَت عندما قررت القيادة السعودية شن حربٍ في اليمن؛ إذ لم يكن لديهما استراتيجية سياسية واضحة، واستندا في تحرُّكهما إلى افتراضاتٍ خاطئة، كما تكبَّدا تكاليف مالية باهظة، وتسبَّبا في خسائر بشرية متزايدة، ومن المحتمل أن يكونوا الآن أسوأ حالاً من حيث أمنهم.
5. 
اذا طال أجل هذا النزاعٍ فلن يكون من مصلحة أي من الأطراف، حيث أن ذلك سيفسد مناخ الاستثمار للدول كافة؛ إذ سيُذكِّر المستثمرين بأنَّ هذه منطقةٌ يمكن أن تحدث فيها أزمات سياسية بشكلٍ غير متوقع.

راشد ميرزا الملا

سفير دولة قطر- هافانا