قام الصحفي الكوبي موسى صعب باعداد مقال تم نشره في الموقع الالكتروني لوكالة برينسا لاتينا (الصحافة اللاتينية) بعنوان "الخلاف بين قطر والاربعة، اضطراب في شبه الجزيرة العربية" بتاريخ 8 يونيو، وذلك بمناسبة الذكرى السنوية على حصار دولة قطر.
نودر نص المقال:
الخلاف بين قطر والأربعة، اضطراب في شبه الجزيرة العربية
بقلم موسى صعب
بعد مرور عام على اندلاعه، مازال الخلاف بين قطر وبعض جيرانها في شبه الجزيرة العربية جامداً ويعتبر مصدر قلق كبير في هذه المنطقة المتقلبة، ذات الأهمية الكبرى للاقتصاد العالمي.
بدأ الصراع بشكل غير متوقع في أوائل يونيو من العام الماضي عندما فرضت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، بالإضافة إلى مصر، اجراءات عقابية ضد السلطات القطرية، اثارت الانتباه بسبب حقدها عليها، وقد تمثلت في قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق الحدود الجوية والبرية والبحرية، بعد اتهامها بدعم الإرهاب.
تسبب هذا القرار الأخير في نزوح السكان البدو الذين اعتادوا منذ زمن قديم على التحرك في الحدود دون شروط، كما أدى الى تشتيت الأسر المنتمية للأطراف الضالعة في النزاع، والتي اضطرت إلى ترك كافة أغراضها ومنازلها وراءها، والعودة إلى بلدانها الأصلية.
انطلق الآلاف من الناس من وإلى قطر على طول الطرق نفسها التي سار بها قبل أكثر من 1400 عام، عبر بيتريا واليمن السعيد، صاحب قافلة متواضع اسمه محمد (صلعم)، والذي أصبح في نهاية المطاف نبيًا لدين يتبعه 1500 مليون مسلم يصلي كل يوم عدة مرات إلى الله، وهو رب واحد أحد.
وقد نفت السلطات القطرية هذه المزاعم فوراً ورفضت الانذارات التي قدمتها دول الحصار بعدة شروط، من ضمنها قطع العلاقات مع إيران وطرد الجيش التركي المتمركز في أراضيها، ورغم أنها اقترحت مناقشة أسباب النزاع، الا انها أكدت بشكل قاطع أن هذه القرارات تمس سيادتها الوطنية وان هذه لا تخضع للتفاوض بأي شكل من الأشكال.
في ظل هذه الظروف، فتحت إيران مجالها الجوي أمام الدوحة وقدمت مساعدات لوجيستية لمواجهة التأثيرات المحتملة للحصار، الأمر الذي منح الدولة الصغيرة رئة حيوية للبقاء على قيد الحياة.
ومن المطالب الأخرى وقف الدعم القطري لجماعة الإخوان المسلمين، وهي المجموعة الأخوية التي نشأت في مدينة الإسكندرية في عقد العشرينات من القرن الماضي، لتصبح منظمة متعددة الجنسيات ذات أذرع سياسية، حيث حكم أهم منظميها مصر حتى لحظة سقوط الرئيس السابق محمد مرسي.
كما استولت مجموعة منها على السلطة في تركيا ويعمل تنظيمها بشكل قانوني في العديد من البلدان، بما في ذلك الأردن والكويت، مثل الجزائر وغيرها من الدول التي رفضت دعم المقترح المصري لجامعة الدول العربية لإدراجها في قائمة المنظمات الإرهابية.
وقد ذكّرت وزارة الخارجية القطرية بسخرية أنه في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، قامت المملكة السعودية بإيواء قادة "الإخوان"، أثناء صراعها مع الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر.
كل الدلائل تشير الآن إلى أن أول ضحية لهذا النزاع هو مجلس التعاون الخليجي، الذي يشمل الدول الستة في شبه الجزيرة، وقد استغرقت قمتها الأخيرة في الكويت ساعتين فقط، كما فقدت نفوذها في الآونة الأخيرة بعد إعلان المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عن تشكيل تحالف يقوم باستبدال أهداف التنظيم الخليجي في التنسيق والتكامل السياسي والاقتصادي.
وعلى الصعيد الشخصي، هناك ضحية أخرى وهو وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون، الذي حافظ على موقف متساو من أطراف الأزمة ودافع عن خيار المصالحة، على عكس رئيسه دونالد ترامب، الذي انتقد قطر، ويعتبر ذلك السبب في اقالته بعد بضعة أشهر.
وترى مصادر قطرية أن موقف ترامب جاء بسبب الصفقة التي ابرمتها الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية، والمقدرة بمبلغ 400 مليار دولار على مدى عقد من الزمن، وهي خطوة ملحوظة للإيفاء بوعوده التي قطعها خلال حملته الانتخابية.
ومن أحد العوامل الفاعلة التي قد تكون أثرت على الموقف المتناقض للرئيس الأمريكي هو البنتاغون، الذي تريد قيادته الحفاظ على قاعدة العديد في الاراضي القطرية، وهي تعتبر أكبر قاعدة تملكها واشنطن في الشرق الأوسط.
وتضم القاعدة 10 آلف من الجنود والضباط، وهي أحد أعمدة نظام المراقبة الأمريكي في الخليج الفارسي، بالإضافة الى تلك الموجودة في البحرين والمملكة العربية السعودية.
وفي محاولاتها لتهميش دور قطر من المنطقة، استبعدتها الدول الأربع من التحالف الذي يشن حرب على اليمن في صراعه ضد أفراد قبيلة الحوثي، وهو يعد مكسب لأنه يوفر الموارد البشرية والاقتصادية للدوحة في تلك الحرب المنسية التي أصبحت يوماً بعد يوم مستنقعًا عسكريًا دون آفاق للنجاح على المدى المتوسط.
رغم الوضع المعقد، تقول مصادر رسمية في قطر إن الإجراءات العقابية ضدهم كانت حافزًا لتفعيل إمكاناتهم الداخلية، كما انها تستبعد الغاء تنظيم فعالية كأس العالم عام 2022.
بعد مرور عام، ما زال الصراع خامداً، ولكن السؤال الذي يخدل بالأذهان كم سيمضي من الزمن على هذه الأزمة وعلى عواقبها الخفية، وما اذا كان الصراع على الهيمنة في الخليج الفارسي بين إيران والسعودية هو الخلفية لتفاقم الوضع، الى درجة الوصول الى هذه التوترات التي تتجاوز الحرب اللفظية والعقوبات الدبلوماسية: باختصار يمكننا القول ان عناصر التفجير موجودة، الا انها تحتاج للشرارة فقط.