تزامناً مع نهاية كاس العالم في روسيا 2018، واستلام دولتنا رسمياً استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم قطر 2022، حيث قام بذلك حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني من فخامة الرئيس فلاديمير بوتين رئيس روسيا الاتحادية، وفي اطار استعداد دولة قطر لهذه الفعالية المهمة، كتب سعادة سفير دولة قطر بكوبا المقال الآتي:
فوز دولة قطر بكأس العالم فخر للعالم العربي والاسلامي
يتابع العالم هذه الايام وباهتمام شديد المباريات التنافسية في روسيا 2018، والتي تعتبر أهم مسابقة لرياضة كرة القدم تقام تحت إشراف الاتحاد الدولي لكرة القدم. ومن المعلوم ان بطولة كأس العالم تقام كل أربع سنوات منذ عام 1930، وانه قد تم الغاء بطولتي عام 1942 و1046 بسبب الحرب العالمية الثانية.
بطولة كاس العالم، مثلها مثل كثير من الفعاليات الرياضية العالمية، تعتبر ملتقى للشعوب ووسيلة فعالية جدا لابراز القيم الثقافية لكافة دول العالم، وفيها تختلط الروح التنافسية ومحاولة كل دولة التغلب على الفريق المنافس لتثبت للعالم مقدرتها على القيام بذلك، مع الروح "الرياضية" لهذه الدول لتقبل الخسارة. في ظروف محايدة ومثالية، يمكننا القول ان كرة القدم هي واحدة من اللغات التي تجمع بين الشعوب وتظهر مقدرة الانسان على التعامل مع الجميع خلال ساعات قليلة في ملعب واحد، ويمكن رؤية ذلك عند مشاهدة مشاعر وتفاعلات الجمهور المشجع لهذه الفرق من حزن وغضب أو فرح وصراخ في مدرجات الملعب، او عند تجمعهم في المنازل او الكافتيريات لمتابعة الالعاب التنافسية.
من جهة اخرى تتنافس كافة الدول لاختيارها كمقر لتنظيم هذه المباريات التنافسية، ففي ذلك فوز معنوي لها، وبها تتمكن من تعريف العالم ببلادها وثقافتها ومكانة شعوبها من العالم، واسحاسها بالفخر لابراز مقدرتها على التنظيم وحسن الاستضافة، بالاضافة الى المكاسب الاقتصادية من ذلك.
أهمية الرياضة في دولة قطر:
يعود اهتمام الدول بالرياضة الى تاريخ قديم. وخلال تاريخها المعاصر، تَطوّرتْ البلاد أكثر فأكثر مِنْ التركيبة البدوية إلى التركيبة الحضرية ، وأصبح مواطنوها تدريجياً أغنياء بدرجة أكبر، و دام ذلك حتى 1971 عندما استقلت قطر . ومُنْذ ذلك التأريخِ فصاعداً تطورت في هذه الدولة مختلف جوانب الحياة ، ومنها الرياضة، والتربية الرياضية ، والاستجمام واللياقة. تَلْعبُ قطر حالياً دوراً بارزاً وفعّالاً في مجالات الرياضة ، وتستثمر الرياضةَ كوسيلة لتَحسين صيَاْغَة العلاقات، وتقوية الصداقات مع دول العالم.
لقد أبدتْ قطر رغبتها بشكل واضح وفعّال لجميع دول العالمِ، وكرّستْ ضمن أجندتها العامة حالةَ من الانفتاح والتطلع إلى تحسين العلاقات بين الأممِ عبر الرياضة.
وقد تمخض عن اهتمام دولة قطر بالرياضة حصولها على فرصة تنظيم كأس العالم، حيث تم اختيارها في عام 2010 لهذه الفعالية الدولية لدورتها عام 2022، وكان ذلك من أحد أهم الايام التي احتفل فيها القطريين بهذا الخبر السعيد. كما كان يوماً سعيداً جدا لشعوب منطقة الخليج ولكافة بلدان الشرق الاوسط، حيث انه فخر لعموم المنطقة ان يتم تنظيم هذه الفعالية في بلد عربي مسلم متحضر، مثل قطر، له نظرة مستقبلية ايجابية، يتطلع دائما الى ابراز الجانب الايجابي به متزينا بأجمل مظاهره. وقد شهدنا هذا الاحساس بالفخر من خلال مداخلات كثير من المواطنين القطريين والخليجيين والعرب في وسائل الاتصال الاجتماعي، معبرين عن سعادتهم ووقوفهم مع دولة قطر.
المعلومات حول الفساد في اختيار قطر:
بدأت بعد فترة من اخبار اختيار قطر للمونديال حملات اعلامية غربية وعربية تشكك في نزاهة دولة قطر في الحصول على فرصة تنظيم كاس العالم، ولحقت موجة الاتهامات مسؤولي الفيفا، وعدد من الشخصيات الرياضية على مستوى الفرق الاقليمية، وبعض الفرق الرياضية، مثل بعض اتحادات كرة القدم الأفريقية والآسيوية. وذكرت بعض الصحف ان تنظيم قطر لكأس العالم لم يعد أمرا مسلما به بعدما بدأت السلطات الرياضية الدولية المعنية التحقيق في مزاعم فساد حول كيفية منحها حق استضافة النهائيات.
ويذكر ان صحيفة "صنداي تايمز" كانت من اكثر الصحف الغربية التي روجت لهذه المعلومات، ومن المعلوم ان بريطانيا لم تكن راضية عن قرار اختيار قطر للمونديال، اذ انها فقدت فرصة ترشيحها. وقد تحدثت الصحيفة البريطانية عن تحركات رئيس الاتحاد الاسيوي السابق، القطري محمد بن همام قبل التصويت إذ اعتبرت أنه كان يعمل على دعم حصول بلاده على الاستضافة. الا ان محكمة التحكيم الرياضي اقرت لاحقا بعدم وجود ادلة مباشرة، ضد القطري بن همام.
وقد ردت اللجنة المنظمة للمونديال القطري على هذه المزاعم بقولها "إننا نؤكد حرص لجنة ملف قطر 2022 طوال فترة عملها على الإلتزام بأعلى درجات النزاهة والمعايير المهنية والاخلاقية أثناء خوضها منافسات نيل شرف استضافة بطولة كأس العالم 2022".
وأضافت اللجنة "في ما يتعلق بالمزاعم الأخيرة التي نشرتها صحيفة صنداي تايمز الانجليزية، إننا نعلن مجدداً أن السيد محمد بن همام لم يكن له أي دور رسمي أو غير رسمي في لجنة ملف قطر 2022. فكما كان الحال مع أي من أعضاء المكتب التنفيذي في الفيفا، فقد كان على فريق ملف قطر 2022 إقناع بن همام بالمزايا التي يتضمنها الملف القطري".
وما يعزز موقف قطر للدفاع عن نفسها عن مزاعم الفساد هذه، ان الكثير من الوثائق التي تحدثت عنها الصحيفة البريطانية تعود لعام 2009، أي قبل التصويت في مسابقة تنظيم كأس العالم بعام، وقبل انتخابات رئاسة الفيفا بحوالي عامين. ومن جهة اخرى، رغم التساؤلات التي أثارتها هذه الوثائق عن سلوك بن همام ودعمه لقطر، إلا أن أيا من الوثائق المقدمة، سواء رسائل بريد إلكترونية أو تحويلات بنكية أو خطابات، لا تُثبت بالدليل القاطع تورط حملة قطر في دفع رشاوي، سواء بشكل مباشر أو من خلال بن همام. كما تمكنت قطر من الدفاع عن نفسها كون بن همام لم يتول أي منصب رسمي في الحملة، وأن أي فعل من جانبه لدعم بلاده كان بشكل مستقل تماما.
وعليه لم تكن هذه المزاعم مستندة على أية اسس قانونية حقيقية، ولم تتمكن جهة من اثبات ذلك، الأمر الذي كان في مصلحتنا وفي تنظيف صورتنا امام العالم، وعدم ضلوعنا في اية اعمال فساد، والدليل على ذلك تأكيد المسؤوليين الحاليين في الفيفا على انه لا رجوع في قرار منح قطر حق استضافة المونديال، وان كل الشبهات وما قيل في الماضي لا يمت للحقيقة بصلة، وان دولتنا تعمل بجهد كبير لتحقيق الفعالية الدولية، وان الفيفا على ثقة بأنها ستقوم بذلك على أحسن وجه.
ثم كانت المسألة الاخرى المتعلقة بحقوق العمال الاجانب الذين يقومون على بناء ملاعب كأس العالم، فقد وردت اخبار متفرقة من صحف غربية، تستند الى تقارير منظمات حقوقية حول الاوضاع السيئة التي يعشيها هؤلاء، وتعرضهم لظروف قاسية لتأدية اعمالهم، والمعاملة القاسية التي يتلقونها. الا ان هذه الاخبار كان فيها كثير من المغالاة وعدم الانصاف لدولة قطر. وقد بادرت السلطات الى توضيح ذلك، ثم قامت بادخال كثير من التعديلات على قانون العمل بالدولة، وابدت كثير من التعاون مع الفيفا وهذه المنظمات، ولاثبات ذلك أعلنت حكومة قطر عن اتفاقية تعاون لـ3 سنوات مع منظمة العمل الدولية بهدف إصلاح وتحسين ظروف العمال المهاجرين بما في ذلك نظام الكفالة. وعلى صدا هذه الاتفاقية اقترحت المنظمة تعديل قانون العمل واشتراط تسجيل عقود العمل مع الحكومة، وحظر على أصحاب العمل منع العمال من مغادرة البلاد أو تغيير الوظيفة.
الغاء مونديال 2022 احد اهداف دول الحصار:
تعاني دولتنا من قبل عام من حصار جائر من جيرانها الخليجيين (المملكة العربية السعودية، الامارات العربية المتحدة ومملكة البحرين) بالاضافة الى جمهورية مصر العربية. اسباب هذه القرارات التعسفية متعددة، وقد اسندت لاسباب واهية وغير واقعية، وواضح انها اسباب مفتعلة خلقتها هذه الدول لتنال من قرارنا الوطني وسيادتنا، وفيها كثير من الحسد والحقد الذي تشعر به قيادات هذه الدول على دورنا في المنطقة وموقعنا في العالم في الآونة الأخيرة، حيث تميزت سياستنا ببث السلم ولغة الحوار والتفاوض، والضلوع في الجوانب التي تقود الى التفاهم الثقافي والتقريب بين الشعوب، من خلال سبل شتى، على المستوى السياسي والاقتصادي والتنموي والثقافي والرياضي.
انه من المخجل والمحزن ان تسعى هذه الدول بكافة السبل الى الغاء فعالية تنظيم كأس العالم في دولة قطر، وهي بهذا الشكل تكشف سؤ نواياها نحونا، وتوضح للعالم عدم مقدرة دولنا العربية على التماسك والتعاضد فيما بينها، والتعبير عن ادنى مشاعر التضامن الاخوي، في اطار منطقتنا والعمل على توحيد صفوفنا، كأمة عربية مسلمة. وقد قامت السعودية في الاسابيع الماضية بتكرار هذه المواقف المخذية عندما خذلت دولة عربية اخرى، وهي المملكة المغربية، حيث اعتبر المغاربة السعودية “عنوان الخيانة” لتصويتها ضد احتضان المغرب كأس العالم، حيث حشدت السعودية الأصوات لصالح الثلاثي بزعامة الولايات المتحدة، ويشن المغاربة حملة غير مسبوقة ضد السعودية في شبكات التواصل الاجتماعي وصلت الى تأييد قطع العلاقات، مما قد ينبئ بأزمة بين الرياض والرباط. ولم يستوعب المغاربة موقف دول كانوا يعتبرونها صديقة مثل الأردن والإمارات العربية والبحرين ولبنان التي صوتت للملف الثلاثي، وربط بعضهم تصويت الأردن بغياب الملك محمد السادس عن القمة العربية التي احتضنتها عمان، ويفسرون موقف الإمارات العربية بانخراطها في المشروع الأمريكي. وفي المقابل، أبرز المغاربة أصوات باقي الدول العربية وعلى رأسها قطر والجزائر، وحيوا دول مثل سلطنة عمان ومصر وليبيا وتونس وموريتانيا وسوريا وفلسطين والسودان واليمن والصومال.
كل ذلك دليل واضح على انه يعملون جاهدين لتسييس الرياضة، بدلاً من تشجيعنا ومساعدتنا لانجاح هذه الفعالية المهمة. كننا نتمنى على الاقل ان يقوموا بفرز الامور ووضع كل شئ في نصابه، والتفكير في ان اخراج كأس العالم في قطر 2022 بشكل ناجح هو مفخرة لكل شعوبنا.
وقد جاءت محاولاتهم هذه في عدة أشكال، مثل تقارير مصادر المانية مؤخراً نقلت معلومات عن رئيس الهيئة العامة للرياضة والمستشار في الديوان الملكي السعودي تركي آل الشيخ، تشير الى أن مقربين من آل الشيخ أكدوا لها أن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) يستعد في نهاية الصيف الجاري للتصويت على سحب كأس العالم من قطر، ونقله إما للولايات المتحدة وإما لبريطانيا.
ولم تنقل هذه المصادر الاعلامية أي معلومات أو تصريحات في هذا الشأن عن الفيفا، الذي أشاد رئيسه جياني أنفانتينو قبل أيام باستعدادات الدوحة لاستضافة الحدث العالمي الكبير. وقد قال المسؤول الرياضي بوضوح في تصريح صحفي على هامش الملتقى التنفيذي للفيفا الذي أقيم في سلطنة عمان من قبل اسابيع قليلة، إن بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 ستقام في دولة قطر بعد أربعة أعوام، ولا يوجد خلاف في هذا الأمر على الإطلاق. بل على العكس، فقد نقلت تقارير اعلامية اخرى تصريحات له في ديسمبر الماضي أنه يتوقع تنظيم أفضل نسخة من كأس العالم في 2022.
نحن بدورنا نتمنى تنظيم كاس العالم بنجاح كبير، وهو فيه نجاح لمنطقتنا وكافة شعوبنا العربية المسلمة، ونتمنى الانتصار كذلك لفرقنا العربية.
راشد ميرزا الملا
سفير دولة قطر في هافانا، كوبا