على الرغم من تخوف الكثيرين من انهيار الاقتصاد القطري بعد أن فرض عليه أربعة من الحلفاء التاريخيين حصارًا تجاريًا جوي وبحري وارضي، إلا أنه في نهاية النصف الأول من عام 2019، أفادت التقارير حول القطاعات المختلفة عن حالة من الاستقرار وتوقعت نموًا أكبر خلال السنوات القليلة المقبلة.
يذكر انه بتاريخ 5 يونيو 2017 قررت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر قطع العلاقات الدبلوماسية وفرضت حصارًا اقتصاديًا على الدوحة بحجة دعم الإرهاب، الأمر الذي تنفيه الحكومة القطرية.
بعد هذه القرارات شهدت الدولة الصغيرة في الخليج الفارسي نقص اقتصادي، حيث كانت تعتمد بشكل كبير على الواردات لإمدادها المحلي، بالإضافة الى ان لها ارتباطات وثيقًة بجيرانها لفترة طويلة. رغم ذلك، فإنه لم يكلفها الأمر كثيراً للتعافي من هذه الضربة التي لا تزال قائمة، تبعاً للنتائج الاقتصادية.
وبحسب تقريراً لصندوق النقد الدولي (IMF) نُشر في يونيو، أي قبل أيام من مرور عامين على المقاطعة، أشار الى أن الأداء الاقتصادي للدولة العربية قد تحسن خلال عام 2018، وأن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (باستثناء التضخم) قدر بنسبة 2.2٪ مقارنة بـ 1.6٪ قبل عامين.
وذكرت المؤسسة المالية "لقد استجاب اقتصاد قطر لأزمات الانخفاض في أسعار المحروقات في الفترة 2014-16 والانهيار الدبلوماسي لعام 2017 بنجاح".
ومن الممكن ملاحظة هذا التحسن في الأداء الاقتصادي في الحياة اليومية، على الرغم من أن قضية السفر الجوي لأولئك الذين يعيشون أو يزورون البلاد لا تزال هذه المسالة تسبب لهم متاعب كثيرة، حسبما ذكرت بعض المصادر لبرينسا لاتينا.
وتضيف هذه المصادر الى أنه خلال الأشهر الأولى وعقب إعلان قرارا المقاطعة، أصبحت المنتجات شحيحة، الا اليوم من المستحيل ملاحظة وجود الحصار في مراكز التسوق في هذه العاصمة.
وقد بدأت منتجات متنوعة من بلدان المنشأ - من جميع القارات - تملأ الأسواق، في حين بدأ الموردين الجدد يحلون محل المنتجات السابقة وتنوعت إمدادات المنتجات المحلية من الخضروات والفواكه والدجاج والعصائر والحليب ومشتقاته.
ولعل المثال الأكثر شعبية في هذا الصدد هو "بلدنا"، المنتج الرئيسي والأكبر لمنتجات الألبان في قطر، والذي لديه كذلك على منتجات عصائر.
تقع هذه المزرعة في شمال الدوحة، وتتضمن قسم حلب متطور، وتعتني بـ 20 ألف بقرة، بحيث يستمتعون بتكييف الهواء، وقد وصلت أول ماشية إلى البلاد عن طريق الخطوط الجوية القطرية بعد شهر واحد فقط من محاولة عزل البلاد.
في الوقت الحالي، توفر "بلدنا" أكثر من نصف الطلب المحلي وتصدر الحليب إلى دول المنطقة، كما أنها مفتوحة للجمهور من خلال مناطق التعلم والمطاعم ولديها كذلك حديقة حيوانات صغيرة للأطفال، بحيث أصبحت واحدة من الوجهات الترفيهية للعائلة.
وفقًا للمعلومات التي قدمها البنك المركزي القطري مؤخرًا، فقد تخطت البلاد الأضرار الأولية للقيود المفروض عليها بشكل تام، حيث ينعكس ذلك في تنظيم تدفقات رأس المال بشكل سليم، والوضع المريح لسيولة النظام المصرفي وعودة احتياطيات النقد الأجنبي الرسمية إلى مستوى قبل الحصار.
كما شهد الاقتصاد كذلك نمو صحي للائتمان المصرفي للقطاع الخاص وفي القطاع غير المرتبط بالهيدروكربونات.
وأفادت المؤسسة المصرفية إن فائض الحساب التجاري والحساب الجاري والرصيد المالي تشهد تحسنا بشكل مستمر، في حين أن تدفقات رأس المال أصبحت طبيعية ومتنوعة بشكل متزايد ومن مصادر مستقرة نسبيًا.
وفي تقريره العاشر عن الاستقرار المالي، أشار مصرف قطر المركزي إلى أن القطاع المصرفي نتج عنه أداء قويًا خلال عام 2018.
وعلى الرغم من أن نمو الأصول كان أقل من العام السابق، الا ان هناك زيادة في الطلب على الائتمان من القطاع الخاص بسبب عملات التشجيع والدعم الذي قدمته الحكومة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
وقد ركزت القروض على الزراعة والثروة الحيوانية ومصايد الأسماك، بهدف البحث عن حلول للإنتاج المحلي. كما أشار البنك المركزي إلى انتعاش الودائع غير المقيمة وتدفق الأموال من المؤسسات المالية الأجنبية، وأشار إلى أن تقريباً جميع الودائع من دول الحصار قد خرجت من النظام، وبالتالي تفادت مخاطر التقلب.
من ناحية أخرى، كشفت دراسات المؤشر الرئيسي لمديري المشتريات، الصادر عن مركز قطر المالي (QFC) والذي يستند إلى دراسات استقصائية لمجموعة من حوالي 400 شركة من القطاع الخاص لا علاقة لها بالطاقة، كشفت عن حالة تفاؤل قوي خلال الـ 12 شهرًا القادمة، نتيجة للظروف التجارية الراهنة.
من جهتها قالت المديرة التنفيذية لتطوير الأعمال في مركز قطر للمال، العنود بنت حمد آل ثاني، "تتوقع أكثر من ثلثي الشركات نمواً في النشاط التجاري بحلول منتصف عام 2020".
من جانب آخر سجل الميزان التجاري للبلاد فائضا قدره 13.2 مليار ريال قطري (حوالي 3.6 مليار دولار) خلال شهر يوليو، اي بنسبة 21.8 في المئة سنوياً، حسبما أعلنت هيئة التخطيط والإحصائيات.
كما بلغت الصادرات - ذات المنشأ الوطني وفي إطار عمليات إعادة التصدير- 22.300 مليون ريال قطري (ما يزيد قليلاً عن ستة مليارات دولار)، بانخفاض سنوي قدره 16 في المائة، حيث احتلت اليابان المرتبة الاولي لهذ الصادرات.
وفي الوقت نفسه، سجلت واردات السلع حوالي 9 آلاف 100 مليار ريال قطري (2.5 مليار دولار) بنمو سنوي قدره ستة في المئة، حيث تحتل الولايات المتحدة المرتبة الاولي كمصدر.
ومن المرجح ان يعود الانخفاض في الأرباح في الصادرات إلى انخفاض أسعار النفط –القطاع الأساسي للبلاد - في نهاية عام 2018، وفي يناير ومايو من هذا العام.
على سبيل المثال، أعلنت شركة مسيعيد للبتروكيماويات عن تحقيق أرباح صافية بلغت 305 ملايين ريال قطري (حوالي 84 مليون دولار) في النصف الأول من العام، بأقل من 361 مليون (حوالي 99 مليون دولار) في نفس الفترة من عام 2018.
لذلك وعلى الرغم من الانتعاش الكامل، الا ان ليس كل شيء يشهد التقدم المرغوب، حيث تعكس بعض القطاعات الاقتصادية آثار الحصار.
و في بداية شهر أغسطس أعلنت 46 شركة مدرجة في بورصة قطر في نتائجها للنصف الأول من عام 2019 أن إجمالي أرباحها بلغ 19.6 مليار ريال قطري (حوالي 5.4 مليار دولار) . ويمثل هذا ما يقل عن نسبة 6.2 في المائة مقارنة بمبلغ 20.9 مليار ريال قطري (أكثر من 5.7 مليار دولار) التي تحققت خلال نفس الفترة من العام الماضي.
بغض النظر عن الآثار السلبية، يشير معظم السكان والعديد من الخبراء إلى أن البلاد تشهد حالة من الانتعاش عقب فترة الحصار، سواء من وجهة نظر الكرامة الوطنية، وكذلك البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية، خاصة وانهم قد أجبروا على الانفتاح على الخيارات لم يكتشفوها من قبل.